قبل أعوامٍ ذهبت إلى مقابلة عمل في شركة كبيرة؛ كانت فرصةً جيدةً في وقتٍ كنت أرغب فيه بشدة بالحصول على أيِّ وظيفة كانت. انتظرت وقتًا لا بأس به قبل أن أقابل مدير التسويق الذي كان شاميَّا؛ وحين قابلته بدا لطيفًا وطلب مني المزيد من الانتظار. وبعد المزيد من الانتظار بدأ بالحديث معي وفجأةً قرر إجراء اتصال أثناء المقابلة، أخذ يتحدث على الهاتف لوقتٍ طويل عن “البقلاوة”!
ولعشرين دقيقة أو أكثر أخذ يعيد ويزيد في الكلام ويضحك، ويتحرك من كرسيه ويدور في المكتب حول الهاتف ويعود إلى مكانه! وقتها كنت أحدق في النافذة الزجاجية خلف مكتبه؛ ثمة جبلٍ كبيرٍ عارٍ من النباتات وأحجاره نحتها المطر بشكل جميل، قطع من السحاب تعبر الفراغ الصغير في زجاجة النافذة حيث لا يملؤه الجبل، فانشغلت بهذا المنظر طوال الدقائق العشرين التي قضاها في مكالمته. كان متعمدًا ومحاولًا بشدة أن يستفزني دون جدوى كما شرح لي لاحقًا، لم أشعر بشيء من الاستفزاز مطلقًا، وبدا لي أنه يتحدث طوال الوقت مجبرًا محدثه على الخط الآخر أن يجاريه.
انتهت المقابلة، وفهمت في آخرها أنه كان منتظرًا رد فعلي طوال المقابلة، خاصةً أنه حاول استفزازي في بعض الأسئلة التي طرحها! حين غادرت وقبل أن أنزل بالمصعد؛ اتصل بي طالبًا مني أن أعود. عدت ليعطيني علبة “بقلاوة” من تلك التي وزعها على الهاتف، وودعته بانتظار اتصال قسم التسويق لطلبي للوظيفة.
اقرأ أيضًا: 20 درسًا حياتيًا مما لن يخبرك عنه أحد
لم أحصل على الوظيفة كما كنت آمل، لكني حصلت على وظيفةٍ أخرى بعد بعض الوقت. وبعد ثمانية أشهرٍ من تلك المقابلة فوجئت أن أحدهم يتصل بي من قبل ذلك المدير، لأنه يطلبني لوظيفة في مكتبه الخاص الذي افتتحه مؤخرًا. يبدو أني علقت في ذاكرته!
بالطبع لم أقبل بالوظيفة؛ لأنني كما قلت سابقًا قد حصلت على وظيفةٍ أخرى، لكن ذلك لا يمنع أن مقابلة عمل هذه من بين عشرات المقابلات بقت مميزةً بالنسبة لي.
خوض العديد من المقابلات على المدى الطويل، والحصول على الكثير من الرفض بسبب قلة الخبرة أو عدم إعجاب المقابل بي أكسباني الكثير من المهارات والثقة بالنفس والهدوء في المقابلات اللاحقة. وبهذا فإن كل تجاربنا الفاشلة قيمة في بناء شخصيتنا وخبراتنا المهنية، وبالطبع بين الحين والآخر ستمر علينا تجارب لا تنسى لتشعرنا بالتميز.