البنات أم الأولاد! القرار الذي لا خيار لنا فيه.
قبل أسبوعٍ كنت في مشوارٍ يستغرق نصف ساعة، وكعادة سائقي سيارات الأجرة في رغبتهم بتبديد الصمت والضجر بأحاديث متفرقة هنا وهناك، إلا أن محدثتي -امرأةٌ في أواخر الأربعينات ولا يبدو عليها ذلك- اختارت أن تسألني عن حياتي وأن تحكي لي عن أولادها. وفي حديثنا سألتها إن كانت تظن أن تربية البنات أسهل أم الأولاد، لم تفهم السؤال وأخبرتني أنها تفضل ابنتيها الاثنتين على ابنها الوحيد.
وبعيدًا عن سبب حب السائقة لابنتيها اللتان تحكيان لها وتخبرانها عن تفاصيل حياتها، بينما ابنها غامضٌ كأنه غريب يعيش معها في نفس المنزل. فإن البنات والأولاد وتفضيل أحدهما على الآخر معضلة تاريخية وثقافات شعوب وإرثٌ مختلفٌ عليه.
وبينما تفضل معظم الشعوب الأبناء من الذكور؛ لأسبابٍ يفترضونها أو يخترعونها. فالحقيقة أنهم يتعاملون مع الجنسين بشكلٍ مختلفٍ تمامًا ومجحفٍ لكليهما. يفضل الهنود والباكستانيون الأولاد لأن البنات عبءٌ كبيرٌ عند الزواج، وينطبق الأمر على المصريين والكوريين، ويفضل اليمنييون ومعظم العرب الأولاد لأنهم يحملون اسم العائلة ويورثونه لأبنائهم، ويتحملون مسؤولية والديهم وبيت العائلة. بينما تحتفي بعض الثقافات الشرق آسيوية بالبنات وبركتهن. وحتى مع أن كون البكر بنتًا بركةً في ثقافتنا، فإن العربي يحزن كثيرًا حين لاتنجب زوجته ولدًا!
اقرأ أيضًا:تحدثوا إلى عقول أبنائكم !
وليس الأمر تعميمًا، فستصادف الكثير من الآباء الممنونين والأمهات المبتهجات بخلفتهم من البنات مهما بلغ عددهن، ويشعرون أنهن بهجة حياتهم وزينتها وباقة ورودهم.
كنت قد بدأت هذا المقال قبل بضعة أشهرٍ؛ وأنا أشعر بالاستياء من الطريقة التي تقسو فيها الأسر على فتياتها وتنشئ فتيانها على هواها. وتوقفت في منتصفه لأعود إليه وأنا ممتلئةٌ استياءً من الطريقة التي يشكل بها العالم أطفاله من الجنسين.
لصديقة لي صبيين وابنة في أعمارٍ متقاربة، وبالجلوس إليهم والحديث معهم لبعض الوقت تدرك أن الفتاة نضجت قبل أوانها بالمسؤوليات التي تلقيها عليها أمها. وبالمقابل فإن الصبيين لم يحصلا على أي قدرٍ من التهذيب! وهذا إجحافٌ في حق الصبيين والفتاة. تقسو الأمهات على بناتهن ويقمعنهن ويدفعهن بعنف ليكبرن وينضجن. فالعالم أكثر من مخيف لفتاة متهورة تستكشف الحياة وتعيشها ببساطة. لابدّ أن تكبر وتشتدّ وتصنع حولها قشرةً صلبةً من الممنوعات تحميها. بينما يترك الأولاد على سجيتهم مثل قرود حديقة حيوان، يكبرون بالطريقة التي تروق لهم. لا يتعلمون من مهارات الحياة الكثير، ويخرجون للعالم غير مستعدين، وفجأة تلقى عليهم مسؤوليات حياة لم تكن في الحسبان! تحرم الفتاة من طفولتها ومتعة استكشاف الحياة والمعرفة، ويحرم الولد من التهذيب البسيط الذي سيحميه من الوقوع في موضع الغبي وارتكاب الحماقات.
تتعرض كل الأمهات وجميع الأسر لانتقاد طريقتهم في التربية وتعاملهم مع أطفالهم، لكن لا أحد مصيبٌ تمامًا ولا أحد مخطئٌ إلى النهاية. تختلف طرق التربية ويتلقى الجميع الانتقاد. ويبقى المجتمع قاسيًا تجاه الأخطاء التي يرتكبها الأطفال، حتى التي تعدُّ تجربةً ضمن عملية التعلّم الكبيرة في هذه الحياة.
لنتذكر فقط كأمهاتٍ وآباءٍ ومربين؛ أن هذه التربية تشكل حياة فردٍ بكاملها، وتعيد تصنيعه، وعليها وعلينا تبعات مستقبله!
التنبيهات/التعقيبات