من أقصى شرق آسيا إلى غربها
هنا في اسطنبول وقبل أسبوعٍ تقريبًا؛ اِحتجت لإجراء ورقي صغير في أحدِ فروع شركة الاتصالات التي اِشتريت منها شريحة الموبايل، ولهذا ذهبت إلى الفرع، اتضح أن النظام وقتها لم يكن يعمل. ويومها قابلت موظفة تتعامل بطريقة غير مهذبة، وبعدها موظفة ألطف منها قليلًا. بعد يومين اتجهت لفرعٍ آخر، وتعاملت مع موظف وقحٍ، لم يقم بالعمل مصطنعًا كذبةً غريبة، لكني عدت إلى الفرع الأول لألتقي موظفًا لطيفًا، وتمت العملية بنجاح بعد مشاوير وانتقالات بالمواصلات.
حاجز اللغة
لا يتحدث الأتراك سوى اللغة التركية، وكأنهم منعزلين عن العالم وعما يحدث فيه. والذين يتحدثون منهم الانجليزية؛ يتحدثونها على خجل حين تكون محتاجًا إلى خدمة ما، مرتبطة بعملهم.
صدمني الأمر في الحقيقة، فالأمر ليس بهذا السوء في اليمن، حيث تجد الناس من أعوام يسعون لدفع أبنائهم لتعلم اللغة الإنجليزية، وتعلمها إجباري في المدارس من الصف السابع أساسي.
لكن بالمقابل قد تجد من يتحدث قليلًأ من العربية في اسطنبول والمدن التي يكثر فيها العرب، كما ستجدهم في الأسواق يحفظون الأرقام والأسعار باللغة العربية، ويعرفون بعض الكلمات؛ ليسهلوا على نفسهم التعامل مع الزبائن العرب الذي لا يتقنون التركية.
يتعلم الأتراك في المدارس اللغة الألمانية والإنجليزية، أو تستبدل إحداهما بالعربية في بعض المدارس. ومع ذلك فإن استخدامهم للغة محصور بلغتهم الأم.
في المقابل فإن قليلًا من الإنجليزية قد يشعرك بالكثير من الأمان في المدن الكبيرة في ماليزيا وخصوصا كوالالمبور ، فالجميع بدون استثناء يتحدث الإنجليزية، الجميع؛ حتى ولو القليل منها!
والغالبية العظمى هناك تتحدث لغتين على الأقل. وربما يعود السبب إلى التنوع العرقي لسكان ماليزيا؛ فبالإضافة إلى سكانها الأصليين ( المالاي)، يوجد هناك الصينيون، والهنود. وإضافة إلى لغة كل واحدٍ منهم الأم، يحتاج إلى لغة للتواصل مع الآخرين، كما أن المدارس الحكومية تدرس باللغة الماليزية، وتوجد مدارس حكومية تدرِّس بالهندية أو الصينية. لكن الجميع يتعلم الإنجليزية باكرًا.
النّاس
مابين كوالالمبور واسطنبول ، لا يسعني القول إني تعرّفت عن على الكثير من الأشخاص خارج دائرة العرب واليمنيين، لكن الحياة تتطلب أن تتعامل مع أفراد مختلفين كل يومٍ في كل مكان.
ولا يصلح التعميم أبدًا، أو إطلاق صفاتٍ عامة على شعبٍ دون آخر. إذ أن النّاس هم النّاس، وهم أبناء بيئتهم، التي تعيد تشكيلهم، وفق تكيفهم معها. لكن بوسعي القول إن معظم الماليزيين الذين قابلتهم ( من أصول ماليزية) هم عمومًا ألطف وأكثر تسامحًا وتقبلًا، وأشدّ تهذيبًا، كما أن الشعوب شرق آسيوية تتميز بالمسالمة وغالبًا بالهدوء واللطف والكثير من التهذيب والاحترام في التعامل. ويختلف الأمر قليلًا بالنسبة للماليزيين من أصول صينية أو هنديّة، حيث يظهر عليهما بعض الجفاف والتشبث بأبناء جلدتهم. وبرغم أن القوانين تجعل المواطن في ماليزيا أعلى من أي أجنبي في كل شيء، لكن لا أحد يتعامل معك بعنصرية، ولا تشعر أنك غريب في أي مكان.
سمعت قبل مجيئي الكثير عن الناس هنا، وتحديدًا في الجانب الأوروبي من اسطنبول ، لكن بعد بعض الوقت، يبدو الأتراك أكثر حيوية وحرارة من الماليزيين. يتشابهون مع العرب كثيرًا، في عصبيتهم، وانفعالاتهم العاطفية، ومزاجيتهم. تجدهم يتعاركون في الشارع، أو في أماكن أخرى. تقابل أشخاصًا لطفاء منهم في المخبز، أو في البقالة القريبة من المنزل، وقد تجد وجوهًا متجهمة على طاولة المحاسب، أو في الباص.
وللأسف يوجد الكثير من العنصريين في تركيا، والذين لن يكتفوا بالتحديق فقط، بعضهم سيتصرف بغضب وعنف، وأحيانًا حقد. وسيتعمد مضايقتك بما استطاعه!
من أوجه المقارنة الطريفة بين الأتراك والماليزيين، أن الماليزيين لا يميزون وجهك حتى إن كنت زبونًا متكررًا على المكان، إلا في حالات نادرة، وإذا كنت بحاجة للحديث مع أحدهم مرة أخرى، فالأمر يتطلب الكثير من إحياء الذاكرة وذكر كل الأمور المترافقة. وكنا نضحك من هذا الأمر كثيرًا، ونشببهم بـ”دوري” في فيلم “البحث عن نيمو”. وبالمقابل فإن الأمر مختلف في تركيا، فإنهم إذا كانوا لطفاء، سيحبون أن يتعرفوا عليك، ومن أين أنت، وسيبتسمون لك إن رأوك تمشي بالقرب. يحب كبار السن في تركيا أن تحييهم إذا مررت بهم، وهم غالبًا يردون التحية والإبتسامة بمثلها.
وأما بالنسبة للشحّاذين؛ فمن القليل جدًا أن تقابلهم في ماليزيا، لأن الشحاذة ممنوعة قانونيًا. والعكس تمامًا في تركيا؛ حيث ستجدهم على كل جسر مشاة وفي أجزاء كثيرة من اسطنبول تحديدًا.
اقرأ/ي المزيد في الجزء الأول من المقال
اسطنبول
إن لاسطنبول سحرٌ وجاذبيةٌ، مدينة لها روحٌ حيةٌ موغلةٌ في القدم، قد لا تجد لها رمزًا واحدًا مثل برجي كوالالمبور، لكن بها آلاف الرموز الصغيرة والتفاصيل الدقيقة، التي لا تكتفي من معرفتها كل يوم.
مزيدٌ من الصور عن تفاصيل اسطنبول هنا على الرابط
اقرأ/ي على تدويني أيضًا: العيد في ماليزيا بكل الألوان!
التنبيهات/التعقيبات