في العاشرة من عمره كان “أيمن” طفلًا متوسط البنية أقرب للنحول منه للامتلاء، بعد سنوات البلوغ امتلأ جسده قليلًا ليصبح “دبدوبًا” بالنسبة إلى رفاقه “الجلد على العظم”. فقد وزنه واكتسبه العديد من المرات حتى وصل إلى منتصف العشرينات من عمره، وفي مراحلٍ ما من فقدان الوزن أصيب بأنيميا. لم يكن كل هذا التغيير مخططًا له ولا مر بعملياتٍ منظمة من اتباع نظام غذائي أو ممارسة التمارين، كان الأمر يسير تبعًا لحالاته النفسية والعاطفية وانشغالاته في المدرسة والجامعة والبحث عن وظيفة، ولم تكن الزيادة كبيرةً أو تزيد عن الخمسة كيلو غرامات خلال تلك الفترة كلها، ودائمًا ما بدا ممتلئًا وليس سمينًا.
السمنة
ثم في أواخر العشرينات وبعد أن استقر في وظيفة مكتبية ذات دوامٍ طويل يمتد لأكثر من عشر ساعاتٍ في بعض الأيام، كان قد توقف عن جميع الأنشطة الحياتية الأخرى من لعبٍ ومشيٍ وغيرها. وأصبح طبيعيًا تمامًا أن يزداد وزنه تدريجيًا بمعدلِ عشرة كيلوغرامات في العام الواحد، وخلال أربعة أعوام كان قد ازداد أكثر من أربعين كيلوغرامًا وأصبح وزنه تقريبًا مائةً وخمس عشرة كيلو! السمنة
الزيادة البطيئة نسبيًا في وزن أيمن غيرت أشياءً كثيرةً في حياته، ومعظم هذه التغييرات حدثت دون وعي منه. في العادة يتحرك الإنسان النحيف بشكل متناسقٍ ولطيف مهما كان أخرقًا أو أحمقًا، لكن السمنة تسلب منك كل التناسق واللطف والترتيب والنظافة والأناقة. بدءًا من العرق الكثيف ورائحته المقززة وانتهاء بكتل الشحم المتنافرة من كل جهة في الجسم بما فيها الكرش العظيم.
ومثلما حدث مع “أيمن” يحدث مع الكثيرين منا كل يوم، ففي مرحلةٍ ما يكونون في أوزان طبيعية تتناسب مع أطوالهم. يرتدون ملابس مريحة ويتحركون بمرونة. يتجاهلون تحذيرات ملابسهم الضيقة عليهم يومًا بعد يوم، وصعوبة تنظيف أجزائهم الخاصة بعد أن كان من أسهل الأمور التي تعلموها منذ أصبحوا في الرابعة. يستمرون في الإصغاء لرغباتهم دون الاستماع لأجسادهم التي تحذرهم من سوء ما قد يحدث لهم في ظل تراكم الدهون في الكبد والبطن وعلى العضلات!
تتدهور الأمور أكثر فأكثر، فالخطوات الصغيرة لمسافة مائة متر والتي يقطعها طفل في الثالثة بكل سهولة؛ قد تجعل السمين يلهث كأنه قطع ثلاثة كيلومترات في 10 دقائق! يصبح التقاط الأشياء التي تسقط أصعب من الأرض، والبحث عن شيءٍ صغيرٍ مستحيلًا بجسدٍ ضخم. الأعمال الدقيقة تصبح معجزاتٍ خارقة بأصابع سمينة وأيدٍ ثقيلة.
يتناسى الشباب مثل “أيمن” أن تراكم الدهون وزيادة الوزن يتناسبان عكسيًا مع سنوات العمر المتبقية في رصيدهم، وطرديًا مع الأمراض المزمنة والخطيرة. ولربما احتاج كل واحدٍ منهم طبيبًا مثل الذي كان للملك في القصص القديمة، حيث حكى أن ملكًا كان يحب أن يأكل الكثير من الطعام ويستمتع بأكل حقوق الآخرين. مرض هذا الملك الطماع مرضًا شديدًا، وعجز جميع الأطباء عن شفاءه عدا طبيبًا واحدًا، فلما جاءه قال له: ليس هناك دواءٌ لدائك، وستموت خلال ثلاثة أشهر! فقد الملك في الأشهر الثلاثة شهيته وطمعه والكثير من وزنه وأعاد للناس حقوقهم واستعاد صحته!
قم بوزن نفسك وقياس طولك واحتسب معدل الـ BMI في جسمك، فإذا كانت النتيجة قد تجاوزت الـ 30 فاعرف أنك في قائمة الناس الذين ينطبق عليهم الكلام أعلاه أو في طريقك لتكون كذلك! وأخبر نفسك بصدق أنه إذا استمرت الأمور على هذا المنوال فإنك “ستموت خلال ثلاث إلى خمس سنواتٍ على الأكثر” بسبب الاختناق أو الضغط أو جلطة أو السكر لا قدر الله!
يجد الكثيرين فقدان الوزن صعبًا لأنهم تعودوا لعشرات السنين أن يعيشوا حياة غير صحية، ولأنهم سمحوا لأنفسهم أن يضعوا أي “شيءٍ” في أفواههم وأجسادهم! لذا ربما قد يساعد أن تعرف أنك تطعم نفسك الموت ببطيء مثلما يفعل المدخن ومدمن المخدرات.
اشترك في مجموعة لخسارة الوزن لتشعر بالحماس، ثم ضع أمام عينيك حياتك كقيمة معنوية وثمنٍ لكل هذا. وأخيرًا عش تجربة فقدان الوزن بوعي ودونها لتكون مصدر إلهامٍ ومشاركةٍ لآخرين يمرون بنفس ما تمر به. لا تمت باكرًا لأنك سمين.
التنبيهات/التعقيبات