طفلي سيأتي يوم ما -بإذن الله- وسأكون مسؤلًا مباشرًا عن حياة طفل صغير ينسبه الناس لي بالاسم و”الملكية”.
ولطالما فكرت طويلًا فيما يعنيه ذلك وماهي الأشياء التي أنوي فعلها والأخرى التي أنوي تجنبها فيما يتعلق بتربية طفلي ، وكيف يمكنني أن أجعل حياته أفضل دون المحاولة في صنع نموذج آخر مني على حساب حياته!
لذلك أستغل كل فرصة أجدها في أي موقف أو نقاش ما أو حتى أمنية صغيرة أو كبيرة أن أقول لسميّة زوجتي تلك الجملة ” إذا كتب الله لنا وخلفنا أتمنى أن ……….. ” وفي الفراغ تختلف العبارات والأمنيات بما فيها مقال اليوم.
ولست أدري ما إن كنت سأكتب المزيد حول هذا الموضوع، لكن سأعتبر مقال اليوم بمثابة الرسالة رقم (1).
طفلي -ليس بعد- :
لربما تأتي في عام ومجتمع لا زال الجميع فيه يقول أن مسارك التعليمي هو مسار حياتك، وأن نجاحك في الحياة مرهون بشهاداتك وتقديراتها.
وتبدأ حينها في رحلة البحث عن الشهادات وإنجاز المراحل الدراسية التي لا يعلم مقرروها عنك شيئا ولا عن المدارك والإهتمامات الخاصة بك.
ولربما تسعى للإمتياز والتفوق في هذه الرحلة الطويلة جدًا، وكلما تنهي مرحلة تمني نفسك بمرحلة أفضل ونجاح أعرض ومستوى يؤهلك للمرحلة التي بعدها. وهكذا دائمًا ستجد نفسك عالقًا بين تلك التصنيفات والمعايير وستسعى لوضع نفسك في أفضل مقام يمكنك أن تكون فيه معتقدًا أن هذا هو آخر أهدافك وكونك تنهي المراحل الدراسية بتميز فإن ذلك مفتاح النجاح.
أخشى عليك أن تفقد ذاتك وشخصيتك في هذة الرحلة المرهقة، وأن تنسى ما تحب فعله وما لا يعجبك فعله، وأن تفقد ذلك الشغف والإهتمام في طاحونة التعليم ومراحله.
بعد سنين طويلة وعند البحث عن وظيفة -ضمن الدليل المجتمعي لكيف تعيش حياتك؟- ستجد أن الوظائف أقل بكثير من المتقدمين، وأن من يتم قبولهم في الوظائف لديهم إمتيازات خاصة في ذواتهم أو في ذويهم.
ولربما بعد أشهر أخرى طويلة تجد وظيفة ما، إما راتبها لا يعطيك حقك بإنصاف أو أنها تأخذ وقتك وعمرك كله.
لأني أخشى عليك أن تعيش حياة لا ترغب في عيشها في سبيل لقمة العيش، وأن لا تشعر بالرضى تجاه نفسك وما تعمله كل يوم؛ طفلي -ليس بعد-:
ستعلم يومًا ما أن التعليم النظامي لم يكن كل شيء ولا حتى نصف ما تحتاجه لهذه الحياة، وستتمنى لو أنك اتخذت مسارًا آخر أكثر فائدة، بدلًا من تلك المعلومات التي تحفظها من أجل إختبار ما وتستبدلها بغيرها بعد أشهر قليلة.
القوانين تتغير باستمرار، ونظام التعليم وقطاع الأعمال وغيرها من المجالات كلها في تغيير مستمر بما يتلائم مع إحتياجات كل عصر؛ ونظرًا لحجم هذه المجالات فالتغيير دومًا بسيط وتدريجي ومن لا يلاحظه يخسر كثيرًا.
المهارة أصبحت أهم من الشهادة، والشهادة التخصصية -مثل الرخص والإعتمادات- في مجال محدد أفضل من البكلاريوس، وأعمالك أفضل من سيرة ذاتية ممتلئة بالدورات والشهائد التقليدية.
تعلم الأساسيات وأطلع على كل شي، ولا تشغل نفسك إلا بما يجعلك مميزًا وبما تستطيع تقديمه أفضل من غيرك.
ستتمكن من تعلم الكثير خلال 10 سنوات كاملة، وستقضي أوقاتك في أعمال ومشاريع تحبها وسيدفعك شغفك للمزيد حتى تصبح شخصًا ذو قيمة يبحث الجميع عن خدماته أو أيًا كان ما تقدمه.
اقرأ في الشريعة والمجتمع والشعر والتاريخ والرياضيات والبرمجة والهندسة والأحياء والفلسفة والطبخ والإقتصاد والجغرافيا وكل ما تستطيع أن تقرأ حوله، لست بحاجة إلى إختبارات ومضمار سباق؛ يكفي أن تقرأ وتعلم ما يدور حولك وستجد حتمًا ما يشدك أكثر وترغب في البحث أكثر.
أكتب كل الأفكار والمشاريع والخطط وحتى الإختراعات التي تخطر على بالك، جرب ما تستطيع منها ونفذ ما يمكن تنفيذه اليوم أو حتى بعد سنين.
وقبل أن تصل للعشرين من عمرك ستكون حينها شخصًا يعرف ماذا يريد تمامًا ويقدم الكثير من الأعمال المميزة في سوق العمل والأهم من ذلك شعورك بالرضا والسعادة نحو ذاتك.
حولي الآن -وأنا أكتب لك هذه الرسالة- عدد كبيرُ ممن خذلتهم الشهائد والنظام التعليمي وكتاب دليل المجتمع. اتخذوا خطواتٍ للتعايش بعيدًا عما درسوه أو أحبوه وارغموا على الانخراط بأعمالٍ روتينية قاتلة لأرواحهم. وحدهم الذين ساروا عكس التيار وأنشأوا مشاريعهم الخاصة أو أعمالًا حرة وفق مهاراتهم ومواهبهم واهتماماتهم هم الذين نجحوا وصنعوا فرقًا في حياتهم. وأنت يا طفلي أجعل من نفسك شخصًا ناجحًا بمعاييرك أنت لا بمعايير أي مجتمع ولا تبعًا لكتاب دليله.
التنبيهات/التعقيبات