تطور الدراما اليمنية
تطور الدراما اليمنية
في رمضان، ذروة موسم إنتاج المسلسلات اليمنية، يعلو كذلك جدال الجماهير اللاذع حول “تطور الدراما اليمنية”. وهنا محاولة لبحث إجابة السؤال: لماذا لا تتطور الدراما اليمنية؟
مع أن الدراما مفهوم واسع يتعدى حدود فن القصة إلا أن السياق هنا هو سياق المسلسلات بشكل خاص. وإذا تحدثنا عن التطور بمعناه: التبدّل بالترقي التدريجي، فهذا مما لا نستطيع أن نقرّ أعيننا برؤيته في حال إنتاجات المسلسلات اليمنية رغم تضاعف أعدادها.
يعود ذلك لأسباب عدة، أهمها أن الإنتاج الفني بات في حاجة ماسة إلى مؤسسة أو حاضنة عامة لها ذات الدور المؤسسي، تعمل على تحفيز عملية الإنتاج، ترشيدها والحفاظ عليها، والبناء على مخرجاتها. وذلك خصوصًا عندما نرجو تحسنًا عامّاً في أغلب الإنتاجات الفنية اليمنية. يزيد الحاجة إلى العمل المؤسسي كثافة الإنتاجات التي تتضاعف في كل موسم. ذلك أن كثافة الإنتاج لا تؤدي تلقائياً إلى تطوره.
ذلك أن كثافة الإنتاج لا تؤدي تلقائياً إلى تطوره
فكم هو عدد المسلسلات المنتَجة من جهات وشركات خاصة أو شبه حكومية في المواسم الماضية؟ وما هي الإضافة النوعية لكل منها؟ وكيف تم الحفاظ والاستفادة من جميع تلك التجارب من أجل تجويد الأعمال القادمة؟ بكلمات أقل، أين التبدّل وأين الترقي، وأين التدريج؟
ما نراه في ظل الوضع الصعب الحالي في اليمن هو شخصيات تقف على الإنتاج الفني لقنواتها أو شركاتها الخاصة، مخرجون وفنيون يسعون لتطوير أنفسهم وتحسين أعمالهم قدر المستطاع- إن وَجدوا قبل ذلك ما يسدوا به رمقهم-، وجمهور يبحث عن التنفيس في مشهد يعبر عنه، أو مشهد يعبر من خلاله عن كل سخط حمّلته الأوضاع المعيشية في صدره على شكل نقد للمسلسلات على وسائل التواصل. وهذا ما يفسر تذبذب جودة الانتاجات الفنية لدينا حتى نراها في تحسن تارة وتراجع تارة أخرى.
إن الحديث عن تطور الدراما إذن ينبغي أن يكون حديثاً عن تطور قطاع صناعة الدراما بأكمله حتى تتحقق الفائدة ونصل إلى التوقع المرغوب. أما زيادة الإنتاج الفني لمجرد الزيادة، أو حتى تقديم الأعمال الفنية المميزة، فلن يعني تطور الدراما اليمنية بالضرورة. إذ لا يحقق ذلك انتقالا انتاجيا كبيراً واضح الملامح للدراما من طور إلى آخر. وإن تطورت الجودة التقنية للصورة أو الصوت، فهذا تطور يحسب للصناعات الرقمية والتكنولوجية التي نستورد أدواتها ونستخدمها كيفما كان وليس تطورا محسوبا للدراما اليمنية.
لكي تتطور صناعة الدراما اليمنية فهي بحاجة إلى تكوين قطاع خاص بها أولا. قطاع يمتلك القدرة على استكشاف الكوادر الفنية وتدريبها، يخلق ثقافة عامة متنوعة ومتناغمة إلى حد ما يتشاركها العاملين فيه، ويقوم على جهات متخصصة تُعنى بإدارة الانتاجات الفنية، أرشفتها، حفظ حقوقها، تأريخها ونقدها أيضا. أما عملية الإنتاج فسوف تنتعش تباعاً وتتحسن نتيجة لتنظيم المشهد الإنتاجي والفني. وكما يتبادر إلى ذهن القارئ، فإن مهام إدارية ومنهجية بهذا الحجم لا تطيقها شركة إنتاج أو قناة فضائية. فضلا على أن يلقى باللوم على شخص بعينه.
إعلان
هل يعني ذلك التوقف عن الحديث حول تطور الدراما اليمنية؟ بالطبع، لا. لكنّ هنالك الكثير من الجوانب الهامة التي لابد من فهمها ووضعها في عين الإعتبار إذا أردنا النقد البناء والبحث عن حلول عملية. إنه من الأحرى، مثلاً، أن يتحول الحديث عن تطوير الدراما ومقومات هذه الصناعة كقطاع اقتصادي وتركه للمؤسسات والشخصيات الحكومية والاقتصادية إلى ما هو أجدى من ذلك.
البحث في الإبداع وفهمه ومحاولة تطبيقه في خدمة دراما المسلسلات اليمنية لا يتطلب معجزة سياسية في البلد أو حلاً اقتصاديا عبقرياً كالتطوير. كما أن ذلك في متناول جميع المهتمين بهذا المجال خصوصاً في ظل توفر التطور التقني والتكنولوجي الذي يشهده العالم اليوم. إذ أصبحت صعوبة تنفيذ الأفكار أقل بكثير من صعوبة إبداع الأفكار ذاتها. ولا تبعدنا عن إبداع الإفكار فيما يبدو إلا خطوة واحدة. فلو كان لمشاهد المسلسلات اليمنية تلك العين النقدية فيما يراه والقدرة على تحديد مكامن الضعف، فإن ما ينقص في سبيل تحسين العمل هو سؤال نفسه: كيف يمكن إخراج العمل بشكل أفضل؟ والبحث الجاد العملي لهذا السؤال في أي جانب من جوانب الإنتاج أو الإخراج الفني هو ركن الإبداع فيه.
إن الحديث عن تطور الدراما إذن ينبغي أن يكون حديثاً عن تطور قطاع صناعة الدراما بأكمله حتى تتحقق الفائدة ونصل إلى التوقع المرغوب.
فكم هو عدد المسلسلات المنتَجة من جهات وشركات خاصة أو شبه حكومية في المواسم الماضية؟ وما هي الإضافة النوعية لكل منها؟ وكيف تم الحفاظ والاستفادة من جميع تلك التجارب من أجل تجويد الأعمال القادمة؟ بكلمات أقل، أين التبدّل وأين الترقي، وأين التدريج؟
ليس العاملون في المجال الفني كالمخرج والممثل أو كاتب السيناريو وفنيي الإنتاج فحسب، بل المهتمين بالدراما والفنون من خارج الوسط الفني والإنتاجي قادرون على المشاركة في تجويد الإنتاجات الفنية اليمنية كذلك. سواءا المهندس، الكهربائي، المسوّق التجاري، الإعلامي أو حتى الفقيه الشرعي قادر على أن يكون له دور هام في تحسين الدراما إذا ما قدّم نقده المتخصص عن فهمٍ لفن القصة ولعملية الإنتاج. بل ما سيكون أكثر فائدةً، هو أن يقدم كل من مجال تخصصه حلاً نوعياً ملموساً للمشكلة التي يراها في عمل فني أو آخر. فهناك الكثير والكثير من فرص العمل والتأثير في هذا النطاق لأصحاب التخصصات غير ذات الصلة المباشرة بالفنون. فلعل حسن العمل عليها يخفف من حنق المتحاملين على مستوى الدراما في مسلسلاتنا اليمنية، ولعل تنافس الإبداع فيها يشكل النواة الأساس لتطور إنتاج المسلسلات والأفلام اليمنية.
أخيراً، يجب أن لا ننسى أن الفنون ماهي إلا إحدى ثمرات الحضارة. ومن يطلب فناً راقياً من حضارة متخلفة كمن يطلب الماء من السراب. فما هي الفنون الجيدة إلا فكرةٌ معقدة ذات معنى عزيز في خيالٍ إبداعي متجسد. أما تلك الأفكار فتأتي نتاج تعليم جيّد، وأما ذلك المعنى فهو جوهر إيمان عميق، وأما ذلك الخيال المتجسد فيتولد عن مناخ حرّ بتجسد يكون علامة شرف مكانة العمل لدى المجتمع.