تجربتي في التعليم مع الأطفال الصينيين – مقال خاص بمدونة : تدويني
قبل تسعة أشهر أثناء بحثي عن عمل ، حصلت على فرصةٍ صغيرةٍ لتعليم اللغة الإنجليزية ، في مركز صغير في الحي الذي نعيش فيه.
المركز أشبه بشقةٍ صغيرةٍ لإعطاء دروسٍ في اللغة الإنجليزية ، لأطفال ما بين الخامسة والثامنة عشرة ، يأتون في يوم عطلتهم الأسبوعية -أي كل سبت . يحضر الطلاب لساعتين مرة واحدة في الأسبوع تقريبًا طوال العام ، ليكملوا مستوىً واحدًا ضمن سلسلة مستويات مختلفة ، يقيم المركز صفوفًا لها.
وبغض النظر عن نظام المعهد المدهش رغم صغره، وسلاسة سير الصفوف فيه، والجدية والاهتمام اللذان يحيطان كل شيء، فإن الطلاب حكاية أخرى.
إن فكرة حمل طفلٍ في السابعة أو أكبر أو حتى أصغر من ذلك على الالتحاق بمركز لغةٍ في يوم العطلة الأسبوعية بدل اللعب واللهو لأمرٌ عجيبٌ، ناهيك عن التزام معظم الأطفال بالحضور بدون بكاء أو تذمر! وقد يأتي طفلٌ باكيًا أو مجبرًا، ولكن سرعان ما ينخرط في أنشطة الصف والعمل بجد.
خلال ساعتين كاملتين من الدرس يخرج الأطفال لخمس دقائق استراحة ما بينهما، وما عدا ذلك يبقون على مقاعدهم يكتبون بجد ويقرأون ويتجاوبون مع معلميهم ويشاركون بإجابتهم. من الطبيعي أن ينشغل طفلٌ أو اثنان باللعب أو بأشياء أخرى، لكني لم أر طفلًا يرفض أن يكتب أو يقوم بما تطلبه به المعلمة.
تجربتي في التعليم مع الأطفال الصينيين – مقال خاص بمدونة : تدويني
وفي العادة يمر درسنا بالمراحل التالية: قبل البدء بدقيقتين أو خمسًا أنادي جميع الأطفال إلى الصف، نتحدث قليلُا عن الواجب وعن البقية المتأخرين. نبدأ في الدرس ويستمعون بتهذيب بالغ للتعليمات وللشرح، حتى أكثر الأطفال مشاكسةً لا يحدث فوضى بل ينشغل بأدواته وبصمتٍ حتى لو لعب مع زميله الذي يجلس بجواره!
خطوطهم جميلة جدًا ودفاترهم في معظمهما مرتبة ونظيفة مهما صغر عمرهم، وقد يوجد طالبٌ من بين عشرين طالب ذا خط فوضوي أو يكون كسولًا قليلًا.
قد ينسون الواجبات أو يتكاسلون عنها أحيانًا، غير أنهم مطيعون ويجيدون الانخراط في النظام. يخرجون للاستراحة القصيرة ويعودون بنداءٍ واحدٍ فقط! لا أحتاج أن أجري وراءهم ولا أن أعيدهم واحدًا واحدًا للصف، ولا أحتاج أن أطلب منهم أن يخرجوا كتبهم أو أقلامهم وأن يكتبوا!
يعملون بجدٍ لآخر الوقت، ويسعدهم كثيرًا أن يكافئوا ولو بأشياء بسيطة. وإن أنهوا ما عليهم وتبقى بعض الوقت فمعظمهم ينجز ما عليه من واجبات في ذلك الوقت، ويمكن للمعلمة أن تعطيهم عملًا إضافيًا دون أن يتذمروا!
تجربتي في التعليم مع الأطفال الصينيين – مقال خاص بمدونة : تدويني
معظم هؤلاء الأطفال من أسرٍ عادية، لديهم مثل الأطفال الآخرين هواتفهم النقالة وألعابهم ويشاهدون التلفاز ويخرجون مع أسرهم للتنزه والترفيه. ينفق أهلهم مبالغًا على دروس اللغة الإنجليزية، ومعظمهم يحضر دروسًا أخرى في الرسم أو الموسيقى أو حتى يمارس رياضةً أو رياضتين بانتظام في العطلة الأسبوعية.
إن ما يدهشني حقًا في هؤلاء الأطفال أنهم جميعًا يمتلكون القدرة والمهارة على الالتزام والعمل بجد حين يكونون في صفوفهم، وهذا ليس بالأمر السهل ولا البسيط. فمن حيث أتيت رأيت بالغين كثر غير قادرين على الجلوس وإنجاز أعمالهم لبضع ساعات! إن الالتزام والجد ثقافة مجتمع وبذور تغرس في الصغر، وهي أساسية للنجاح والتقدم والإنجاز في الحياة.
هل الأطفال الصينيون أذكى من غيرهم؟!
وليس الأطفال الصينيون كما يعتقد أذكياء أو عباقرة! لنقل إنهم ليسوا أذكى من أطفالنا أبدًا. لقد رأيت في حياتي المهنية أطفالًا عربًا ويمنيين أذكى بكثير، لكنهم لا ينجزون نصف ما ينجزه هؤلاء الأطفال. يفتقد أطفالنا إلى الالتزام والجد، ويستهتر معظمهم بالتعليم والمعلمات والمدرسة والكتب والمستقبل.
اقرأ أيضًا: الاجتهاد يعني أنك فاشل!
يعتمد بعضهم على أموال أهلهم، وينشغل الآخر بالضحك واللعب. وفي الحقيقة إن هذا ليس ذنبهم وحدهم، بل هم انعكاس لثقافتنا وتربيتنا لهم.
وبرغم أن تجربتي الصغيرة هذه لا تتجاوز بضع ساعاتٍ كل سبت منذ تسعة أشهر؛ إلا أنها جعلتني أفهم ولو قليلًا سر ارتفاع مكانة دولة مثل الصين في العالم. وبالمقابل أشعرتني بالخوف على مستقبل أوطاننا، إذا كان أطفالنا سيبقون مشغولين باللعب، ونبقى نحن مغمضين أعيننا عن أهمية غرس الالتزام منذ الصغر.
التنبيهات/التعقيبات