يحكى أن الرجل البالغ الرحمة ساعد العصفور الصغير في الخروج من البيضة وأصابه بالضعف والعجز!الاستهلاك
لأنه كان على العصفور أن يحاول الخروج بنفسه حتى ينجح مما سيقوي عضلاته وجسده.
وهذا ببساطة هو المصدر الأساسي للفروق الناتجة بين المجتمعات المستهلكة والمنتجة. بين المجتمعات الكسولة والمعتمدة على غيرها، والمجتمعات التي تنتج كل شيء لها ولغيرها!
إن المجتمعات المستهلكة تمنح الفقراء المال عندما ترغب في ذلك بدل التعليم والحرف والمهارات التي سيكسبون بها المال بأنفسهم كلما استطاعوا، وتمنح الأطفال الدلال وشهادات العجز وتظنهم أغبياء بدلًا عن التعليم وتنمية المهارات التي ستخدم مستقبلهم.
ثقافة الاستهلاك والاعتماد على الآخرين والعجز عن إنجاز الأشياء بالأيدي في هكذا مجتمعات تبدأ من البيت!
الطعام تحضره الأم ولا يعرف الأبناء كيف تم صنعه، والألعاب تنكسر وتذهب للقمامة، يحرم على الأطفال اختراع الأشياء أو حتى لمس المقص -لأنه خطير جدًا، وأي عطلٍ في المنزل يستدعى عاملٌ لإصلاحه مهما كان بسيطًا.
وفي المدرسة، تجهز المعلمة النشاط ويشاهده الأطفال ولم يجربوا صنعه، وكل الوسائل التعليمية تشترى جاهزة أو تصنعها المعلمة وحدها في ظلمة الليل!
حتى في محل الألعاب يضع العامل البطارية للعبة، وفي محل البقالة كل شيءٍ جاهزٌ تمامًا ولا يحتاج لأي إعداد!
ثمّ يأتي البعض ليقول، “كوكب اليابان” عالمٌ متحضر ومختلف! والأجانب متعلمون ومتميزون، والآسيويون مبدعون! وبعض الدول لديها اقتصادٌ قوي!
في الحقيقة إن جزءًا كبيرًا من التميز والإبداع والاختلاف في كون الناس في العالم يعملون الأشياء بأيديهم ويخترعون ويحاولون إصلاح الأشياء المكسورة، ويصنعون أشياءً من “لا شيء” أحيانًا. ولا يأتي الاقتصاد المتماسك إلا لأنها دول منتجة تغطي احتياجات شعبها وشعوب أخرى.
يولد الإنسان ضعيفًا وعاجزًا، ولكن هذا يتغير بمرور أسابيعٍ وأشهر قليلة. يحبو، يمشي، يأكل أشياءً جديدة، ينطق، يشاهد ويقلد ويتعلم!
في عمر الثانية يستطيع الطفل أن يضع بعض أشيائه في مكانها الخاص، ويستطيع تركيب بعض الألعاب البسيطة، فلا تأخذ من يده اللعبة لتساعده بل دعه يستكشف ويحاول، وامنحه المزيد من الألعاب التي تحتاج لمزيد من المحاولات والتي تناسب سنه.
لا تفعل له كل شيء، أعطه فرصةً ليستقل ويتعلم وينضج!
في عمر الثالثة يستطيع الأطفال البدء باستخدام المقص والسكين – ولهذا السبب تحديدًا توجد مقصات وسكاكين بلاستيكية أو مقصوصة الحواف خاصة بالأطفال وغير مؤذية لو استخدمت تحت إشراف البالغين.
يمكن كذلك للأطفال بهذا العمر محاولة إصلاح ما كسروه، بإعطائهم لاصق أو صمغ!
في عمر الرابعة يستطيع الطفل أن يكون شخصًا مستقلًا، يأكل وحده بنظافة، ويدخل الحمام وحده، يصنع أشياءً شبه واضحةٍ من الورق والمكعبات وعجينة اللعب.
بوسعه أن يضع أشياءه في أماكنها ويعيد ألعابه لصندوقها طالما بدأ معه التعليم من البداية، وبالمثابرة والتذكير والقدوة الحسنة والمكافأة المعنوية ينجز الطفل هذه المهام دون جهدٍ يذكر.
امنح الأطفال الأدوات المناسبة والثقة فيهم لتنمو مهاراتهم اليدوية ويزداد ذكاؤهم.
اقرأ أيضًا:كيف تبقي العفريت في طفلك مشغولًا طوال الصيف
تصنع بعض شركات الأطفال الألعاب مفككة لينفق الطفل وقتًا في فهمها وتركيبها، تضع بعض شركات الأثاث أوراقًا توضيحية بشكل مبسط مع قطع الأثاث ليتمكن أي إنسان عادي مع مهارة عادية من تركيبها.
يضع اليابانيين مكونات الحلويات لأطفالهم في عبوات منفصلة مع تعليمات ليصنعوا حلواهم بنفسهم. يهتم خبراء التعليم الحديث بتدريب المعلمين لإدارة صفوف يتمكن فيها الطلاب من القيام بأنشطة كثيرةٍ بأنفسهم وليس تدريب المعلمين على الإلقاء المؤثر!
لو تجولت في مكتبةٍ محترمة لوجدت المقصات مقاساتٍ كثيرة تتناسب مع أيدي الأطفال الصغيرة بمختلف أعمارهم، لوجدت أنواعًا من الصمغ أو الألوان غير السامين، أو عجينة اللعب القابلة للأكل. ستجد مواقع انترنت تبيع أدوات مطبخ صغيرة وآمنة للأطفال.
لو فتحت عينيك ستجد أن العالم كله يريد أن يكبر أطفاله ماهرين ومعتمدين على أنفسهم، منتجين لا مستهلكين، مبدعين لا مشاهدين.
تربية الأبناء في العالم كله تحدٍ كبير، ولكن العالم كله يترك صغاره يكسرون بيضهم بأنفسهم ويشقون طريقهم للعالم دون مساعدة. لأنها الطريقة الوحيدة في أن ينجح الأطفال ويكبروا مستقلين ومستعدين لمواجهة حياتهم.
إن الإنتاج و الاستهلاك ليسا سوى ثقافة مجتمع، وسلوك بشري يتعارف عليه الناس قبل أن يكونا مؤشرين اقتصاديين. وثقافة المجتمع تتغير وتكتسب فيما ندخله لحياة أبنائنا والجيل القادم من قادة مجتمعنا. ونحن من يتخذ القرار عن مستقبل أبنائنا.
التنبيهات/التعقيبات