من المؤكد أنك صادفت في حياتك الدراسية صديقًا أو أكثر؛ يردد دائمًا قبل الإختبارات عبارة “والله عادنا ما ذاكرت شي لحد الآن! “؛ وينكر قضاء وقت طويل على الكتب أو محاولة الفهم والمراجعة، ولربما صادفت أيضًا ذلك الذكي الكسول الذي لا يبذل شيئًا قبل الامتحان ويحصل على درجات تتراوح بين الامتياز والجيد، ولربما كنت أحد هؤلاء!
والتهمة التي يتهربون منها جميعًا بالاشتراك هي صفة “الإجتهاد”! و شخصيًا في مرحلة معينة من دراستي كنت لا أحب أن يطلق علي “مجتهد”، ذلك لأني كنت قد اكتسبت مفهوم أن الذكاء خيرٌ من الإجتهاد؛ وأن “الإجتهاد” للفاشلين والأغبياء !
وفي حقيقة الأمر كان النظام التعليمي في مجتمعي بأكمله هو السبب الرئيسي الذي جعلني أبغض كوني مجتهدًا وأسعى دومًا لإثبات أني ذكي لا أحتاج للإجتهاد، فأصحاب الدرجات العليا هم الأذكياء فقط والبقية بطبيعة الحال “ليسوا أذكياء” مالم يجتهدوا إلى ذلك سبيلًا، والأول أذكى من الثاني والثاني أذكى من الثالث وهكذا. فمهما ذاكرت أو بذلت من جهد للحصول على هذه المرتبة فسأدّعي بأني لم أحتج لأبذل جهدًا، لأني أريد أن أكون ذكيًا ناجحًا في نظر الجميع.
اقرأ أيضًا: 20 درسًا حياتيًا مما لن يخبرك عنه أحد
.
وهذه نظرة مجتمعية في كل مكان، ستجدها في الجامعة والمنزل والحي والتحفيظ؛ الأغبياء والفاشلون وحدهم من يحتاج الإجتهاد!
وهي عبارة كافية أن تجعل الطفل والمراهق يتوقف عن بذل جهده، حتى وإن كان ذكيًا للغاية.
ولا أحد يدري من أتت فكرة أن الإجتهاد أمر سئ -ولو بطريقة غير مباشرة- إلا أنه أمر واقع حتى في أمور غير متعلقة بالدراسة، فالجميع يحكم على من يبذل جهدًا مضاعفًا في النادي أو العمل أو حتى العلاقات الشخصية أنه أمر غير طبيعي وهناك “إنَّ” تدل على مشكلةٍ ما. يتهامس الناس حوله، مدعيين أنه فاشل ويحتاج ليبذل جهدًا كبيرًا لتحقيق أبسط الأمور.
ونتيجة لهذا ينتج “الأذكياء الكسالى” وهم مجموعة من الموهوبين والمتميزين ممن تركوا الإجتهاد لإعتقادهم أنهم قادرين على تقديم الأفضل دون بذل أي مجهود، وأن بإمكانهم فعل ما يفعله الآخرون بأعينٍ مغمضة.
وجدوا الحياة سهلة في مجتمع حيث متطلبات النجاح ضئيلةُ بالنسبة لموهبتهم، ويبقى المجتمع راضيًا عما قدموه أيًا كان مستوى رداءته، ففي هكذا مجتمعات أنت عبقري طالما أنجزت أعمالك بأقل جهدٍ ممكن!
والأصل أن الشخص “الذكي” أو “المتميز” يحتاج لأن يبذل جهدًا أكثر ممن سواه وأن يبحث دومًا عن تقديم الأفضل للمجتمع ولنفسه في المجالات التي لا يستطيع الناس العاديون شغرها.
ذلك أن الذكاء و الموهبة وحدها لا تنتج ولا تقدم شيئا بدون الإجتهاد والمحاولات وتطوير الذات، والعالم مليء بالقصص والنجاحات والفرص لاولئك المجتهدين أصحاب التحديات والمحاولات وصولًا للإكتشافات، ولن يذكر التاريخ أبدًا الأذكياء الكسالى تاركًا لهم حرية تفضيل الذكاء على الإجتهاد.
.
أخيرًا، يصبح الأذكياء كسالى بدلًا عن مجتهدين لأن سقف التوقعات من جميع الناس بمختلف مستوياتهم واحد في مجتمعاتنا. في حين إن الإنسان بحاجة إلى شيءٍ بعيدٍ عن متناول يده دائمًا ليستمر في المحاولة والمثابرة. الإجتهاد هو الوضع الطبيعي لكل الناس، وبزيادة؛ الأذكياء لأن ما يتوقع منهم أكثر بكثير. وما يتوقع منهم لا يمكن تحقيقه دون إجتهاد مضاعف.
التنبيهات/التعقيبات